فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}.
وقوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} قد تقدَّم ذلك في البقرة، واللامُ في {لِشيءٍ} وفي {له} لامُ التبليغِ كهي في: قلت له قم، وجعلها الزجاج للسببِ فيهما، أي: لأجل شيءٍ، أَنْ نقولَ لأجلهِ، وليس بواضح، وقال ابن عطية: وقوله تعالى: {أَن نَّقُولَ} يُنَزَّلُ مَنْزِلةَ المصدرِ، كأنه قال: قولُنا، ولكنَّ {أنْ} مع الفعلِ تعطي استقبالًا ليس في المصدر في أغلبِ أَمْرِها، وقد تجيءُ في مواضعَ لا يُلْحَظُ فيها الزمنُ كهذه الآيةِ، وكقولِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ} [الروم: 25]. إلى غيرِ ذلك.
قال الشيخ: وقوله: في أغلبِ أمرِها ليس بجيدٍ بل تَدُلُّ على المستقبل في جميع أمورِها، وقوله وقد تجيءُ إلى آخره لم يُفْهَمْ ذلك مِنْ {أنْ}، إنما فُهِمَ من نسبةِ قيامِ السماء والأرض بأمرِ الله لأنه لا يختصُّ بالمستقبلِ دونَ الماضي في حَقِّه تعالى، ونظيرُه: {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} و{كان} تدل على اقترانِ مضمونِ الجملةِ بالزمنِ الماضي، وهو تعالى متصفٌ بذلك في كلِّ زمن.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}.
قوله تعالى: {حَسَنَةً} فيها أوجهٌ، أحدُها: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: تَبْوِئَةً حسنةً، والثاني: أنها منصوبةٌ على المصدر الملاقي لعامِله في المعنى؛ لأنَّ معنى {لَنُبَوِّئَنَّهم} لَنُحْسِنَنَّ إليهم. الثالث: أنها مفعولٌ ثانٍ لأنَّ الفعلَ قبلها مضمِّنٌ معنى: لَنُعْطِيَنَّهم، و{حسنة} صفةً لموصوفٍ محذوفٍ، أي: دارًا حسنة، وفي تفسيرِ الحسن: دارًا حسنة، وهي المدينةُ، وقيل: تقديره: منزلةً حسنةً وهي الغَلَبَةُ على أهلِ المشرقِ والمغربِ وقيل: {حسنة} بنفسها هي المفعولُ من غيرِ حَذْفِ موصوفٍ.
وقرأ أميرُ المؤمنين وابنُ مسعود ونعيم بن ميسرة: {لَنُثْوِيَنَّهُمْ} بالثاء المثلثة والياء، مضارع أَثْوَى المنقولِ بهمزةِ التعديةِ مِنْ ثَوَى بمعنى أقام، وسيأتي أنه قُرئ بذلك في السبع في العنكبوت، و{حسنةً} على ما تقدَّم، ونزيد أنه يجوز أن يكونَ على نَزْع الخافضِ، أي: في حسنة.
والموصولُ مبتدأٌ، والجملةُ مِنَ القسمِ المحذوفِ وجوابِه خبرُه، وفيه رَدٌّ على ثعلب حيث مَنَعَ وقوعَ جملةِ القسم خبرًا، وجَوَّز أبو البقاء في {الذين} النصبَ على الاشتغال بفعلٍ مضمرٍ، أي: لَنُبَوِّئَنَّ الذين، ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يجوز أن يُفَسِّر عاملًا إلا ما جاز أَنْ يعملَ، وأنت لو قلت: زيدًا لأضْرِبَنَّ لم يَجُزْ، فكذا لا يجوزُ: زيدًا لأضربنَّه.
وقوله: {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يجوز أن يعودَ الضميرُ على الكفار، أي: لو كانوا يَعْلمون ذلك لرجَعوا مسلمين، أو على المؤمنين، أي: لاجتهدوا في الهجرةِ والإِحسانِ، كما فعل غيرُهم.
{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}.
قوله تعالى: {الذين صَبَرُواْ} مَحَلَّه رفعٌ على {هم} أو نصبٌ على أمدحُ، ويجوز أن يكونَ تابعًا للموصولِ قبله نعتًا أو بدلًا أو بيانًا فمحلُّه محلُّه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}.
فيكون بالسمع عِلْمُ تَعَلُّقِ قَوْلِه بما يفعله، وحَمَله قومٌ على أن معناه أنه لا يتعسَّرُ عليه فعلُ شيءٍ أراده، فالآية على القولين جميعًا.
والذي لا يحتاج في فعله إلى مادة يخلق منها لا يفتقر إلى مدةٍ يقع الفعل فيها.
وتدل الآيةُ على أنَّ قولَه ليس بمخلوق؛ إذ لو كان مخلوقًا لكان مقولًا له: كن، وذلك القول يجب أن يكون مقولًا له بقولٍ آخر وهذا يؤدي إلى أن يتسلسل ما يحصل إلى ما لا نهاية له.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}.
مَنْ هَاجَرَ عن أوطان السوء- في الله- أبدل له اللَّهُ في جوار أوليائه ما يكون له في جوارهم معونَةٌ على الزيادة في صفاء وقته، ومَنْ هَجَرَ أوطانَ الغفلة مَكَّنَهُ الله مِنْ مشاهدِ الوصلة، ومَنْ فَارقَ مجالسة المخلوقين، وانقطع بقلبه إليه سبحانه باستدامة ذكره- فكما في الخبر: «أنا جليس من ذكرني» وبدايةُ هؤلاء القوم نهايةُ أهل الجنة؛ ففي الخبر «الفقراء الصابرون جلساء الله يوم القيامة» ويقال القلبُ مطلومٌ من جهة النَّفْس لما تدعوه إليه من شهواتها، فإذا هجرها أورث اللَّهُ القلبَ أوطانَ النَّفْس حتى تنقادَ لما يطالِبُ به القلبُ من الطاعة؛ فبعد ما تكون أوطان الزَّلَّةِ بدواعي الشهوة تصير أوطانَ الطاعة لسهولة أدائها.
{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}.
الصبرُ الوقوفُ بحسب جريان القضاء، والتوكل التوقي بالله بُحُسْن الرجاء.
ويقال صبروا في الحال، وتوكلوا على الله في تحقيق الآمال.
ويقال الصبر تحسِّي كاساتِ المقدور، والتوكل الثقة في الله في استدفاع المحذور.
ويقال الصبرُ تجرُّعُ ما يُسْقَى، والتوكل الثقة بما يرجو.
ويقال إنما يقوَوْن على الصبر بما حققوا من التوكل. اهـ.

.تفسير الآيات (43- 44):

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}.

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما أخبر تعالى أنه بعث الرسل، وكان عاقبة من كذبهم الهلاك، بدلالة آثارهم، وكانوا قد قدحوا في الرسالة بكون الرسول بشرًا ثم بكونه ليس معه ملك يؤيده، رد ذلك بقوله- مخاطبًا لأشرف خلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكونه أفهمهم عنه مع أنه أجل من توكل وصبر، عائدًا إلى مظهر الجلال بيانًا لأنه يظهر من يشاء على من يشاء-: {وما أرسلنا} أي بما لنا من العظمة.
ولما كان الإرسال بالفعل إنما كان في بعض الأزمنة، دل عليه بالجار فقال: {من قبلك} إلى الأمم من طوائف البشر {إلا رجالًا} لا ملائكة بل آدميين، هم في غاية الاقتدار على التوكل والصبر الذي هو محط الرجلة {نوحي إليهم} بواسطة الملائكة، وما أحسن تعقيب ذلك للصابرين، لأن الرسل أصبر الناس.
ولما كانوا قد فزعوا إلى سؤال أهل الكتاب في بعض الأمور، وكانوا قد أتوا علمًا من عند الله، سبب عن هذا الإخبار الأمر بسؤالهم عن ذلك، فقال مخاطبًا لهم ولكل من أراد الاستثبات من غيرهم: {فسئلوا} أي أيها المكذبون ومن أراد من سواهم {أهل الذكر} أي العلم بالكتاب، سمي ذكرًا لأن الذكر- الذي هو ضد السهو- بمنزلة السبب المؤدي إليه فأطلق عليه، كأن الجاهل ساهٍ وإن لم يكن ساهيًا، وكذا الذكر- الذي هو الكلام المذكور- سبب للعلم.
ولما كان عندهم حسّ من ذلك بسماع أخبار الأمم قبلهم، أشار إليه بقوله تعالى: {إن كنتم} أي جبلة وطبعًا {لا تعلمون} أو هو التنفير من الرضى بالجهل.
ولما كانت رسل الملوك تقترن بما يعرف بصدقهم، قال- جوابًا لمن كأنه قال: بأي دلالة أرسلوا؟-: {بالبينات} المعرفة بصدقهم {والزبر} أي الكتب الهادية إلى أوامر مرسلهم.
ولما كان القرآن أعظم الأدلة، أشار إلى ذلك بذكره مدلولًا على غيره من المعجزات بواو العطف، فقال- عاطفًا على ما تقديره: وكذلك أرسلناك بالمعجزات الباهرات-: {وأنزلنا} أي بما لنا من العظمة {إليك} أي وأنت أشرف الخلق {الذكر} أي الكتاب الموجب للذكر، المعلي للقدر، الموصل إلى منازل الشرف {لتبين للناس} كافة بما أعطاك الله من الفهم الذي فقت فيه جميع الخلق، واللسان الذي هو أعظم الألسنة وأفصحها وقد أوصلك الله فيه إلى رتبة لم يصل إليها أحد {ما نزل} أي وقع تنزيله {إليهم} من هذا الشرع الحادي إلى سعادة الدارين بتبيين المجمل، وشرح ما أشكل، من علم أصول الدين الذي رأسه التوحيد، ومن البعث وغيره، وهو شامل لبيان الكتب القديمة لأهلها ليدلهم على ما نسخ، وعلى ما بدلوه فمسخ.
ولما كان التقدير: لعلهم بحسن بيانك يعملون! عطف عليه بيانًا لشرف العلم قوله تعالى: {ولعلهم يتفكرون} إذا نظروا أساليبه الفائقة، ومعانيه العالية الرائقة، فيصلوا بالفكر فيه- بسبب ما فتحت لهم من أبواب البيان- إلى حالات الملائكة، بأن تغلب أرواحهم على أشباحهم فيعلموا أنه تعالى واحد قادر فاعل بالاختيار، وأنه يقيم الناس للجزاء فيطيعونه رغبة ورهبة، فيجمعون بين شرفي الطاعة الداعية إليها الأرواح، والانكفاف عن المعصية الداعية إليها النفوس بواسطة الأشباح. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{نوحي} بالنون: حفص غير الخزاز. الباقون بالياء مجهولًا {أو لم تروا} بتاء الخطاب: حمزة وعلي وخلف: {تتفيؤ} بتاء التأنيث: أبو عمرو وسهل ويعقوب، الآخرون على الغيبة.

.الوقوف:

{لا تعلمون} o لا لتعلق الباء {والزبر} ط {يتفكرون} o {لا يشعرون} o لا للعطف {بمعجزين} o لا كذلك {على تخوّف} ط للفصل بين الاستخبار والإخبار {رحيم} o {داخرون} o {لا يستكبرون} o {ما يؤمرون} o {اثنين} ج للابتداء بانما مع اتحاد القائل {واحد} ج للعدول مع الفاء {فارهبون} o {واصباً} ط {تتقون} o {تجأرون} o ج لأن (ثم) لترتيب الأخبار مع شدة اتصال المعنى {يشركون} o لا لتعلق لام كي {آتيناهم} ط للعدول والفاء للاستئناف {تعلمون} o {رزقناهم} ط {تفترون} o {سبحانه} لا لأن ما بعده من جملة مفعول {يجعلون} و{سبحانه} معترض للتنزيه {يشتهون} o {كظيم} o ج لاحتمال أن ما بعد وصف {لكظيم} أو استنئاف. {ما بشر به} ط لأن التقدير يتفكر في نفسه المسألة {في التراب} ط {ما يحكمون} o {السوء} ج لتضاد الجملتين معنى مع العطف لفظاً {الأعلى} ط {الحكيم} o. اهـ.